هنا لم يتوقف الكاتب كثيرا عند البعد المأساوي لمرضه لكنه تعامل معه بقوة مصدرها القبول بهذا القدٌر وتفهمه وعدم الفكاك منه،وأيضا بمواجهته وعدم القبول بإجراءات اعتبرها تتجاوز اعتداده بنفسه مثل إحداث سلس دائم للبول كحل جزري أو عمل فتحة علي جدار البطن تكون بديلا لإخراج البول كجزء ضروري في إطار عمليه نقل كلي.وحتي بعد دخوله مرحلة الفشل الكلوي،لم يتوقف عن حبه للحوم والأسماك ولا عن التدخين وأمور المزاج.ولكن الأهم من القبول وعدم القبول هنا وهناك هو المرونة العالية التي تمتع بها والتي وصلت حد التجاوز والتخطي،فنجده يكتشف قانونا للتعامل مع التبول اللاإرادي ¬سره المنيع ¬ ويري أن الفشل الكلوي الذي تأهب له طويلا ليس أسدا بل قطا أليفا فقط يعن له أحيانا أن يلهو مع صاحبه فيخمشه بأظافره.هذه الإستراتيجية طويلة المدي هي ما شكل مرتكزا قويا لحياة عريضة ملؤها الاستمتاع رغم كل الآلام.العديد من الحبيبات في كل مراحل العمر،كتابه الشعر والنثر،وفوق كل ذلك مسحه من الظرف والسخرية لا يمكن أن تخطئها عين قارئ فهو يجيب سؤالا عن صحته هكذا بمب والحمد لله.....أكتر من كده بقي يبقي افترا .و يؤلف دعابه حلوة عن ضعف سمعه ويقدم مرثية لعضوه الذكري أخذ منها عنوان الكتاب.
أما في مستوي كتابة اليوميات أصبحت الحياة بكل مفرداتها مادة متاحة للكتابة لينتقي منها ما شاء عاكسا قلقه المستمر تحت وطأة هاجس الكتابة.بل أنه بجرأة قدم لنا تفاعل المحيطين به مع المخطط الذي وضعه للكتاب موضوع الحديث والتطورات التي طرأت علي هذا المخطط.من ناحية أخري عكس لنا هذا المستوي لحظة بلحظة ذلك التوتر اليومي الخاص بالتدهور الوشيك لصحته ف العمليات وهي عبارة عن وصلة بين شريان ووريد يتم من خلالها تركيب أنابيب الغسيل أصبحت تتوقف بمعدلات عالية لتستنفذ كل الأماكن الصالحة في ذراعيه.أما الآن ونحن نتابع معه من خلال تلك اليوميات نري أن العملية الأخيرة والتي مني نفسه طويلا ألا تتوقف قد توقفت.ناهيك عن تليف معظم أوردة الرقبة والصدر بسبب القساطر المتكررة مما تسبب في ورم في الوجه.ومن علامات تدهور صحته الوشيك كما رصدها الكاتب في يومياته زيادة معدلات تجلط الدم داخل أجهزة الغسيل وظهور هشاشة العظام وتعرضه لأزمة صحية عاتية علي إثرها جهز نفسه للموت كما اعترف لداليا ¬صديقته الممرضة ¬ في مكالمة تليفونية،وقلقه من عدم رؤيته لمريض يغسل دمه أقدم منه وكأن 12 سنة هي العمر الافتراضي لهؤلاء الناس.
استطاع أسامة من خلال هذين المستويين أن يقدم ليس فقط حياته الخاص ولكنه قدم خريطة خاصة للمدينة تقوم علي العديد من المستشفيات ومراكز غسيل الكلي مثل مركز الاستقامة ومركز فيصل ووحدة الهدي وكذلك وحدة الزمالك ثم مركز الشباب 2 والبرج وشبكة كبيرة من عيادات الأطباء،ودخل بنا في تفاصيل عالم الغسيل الكلوي من حيث أنواع المكن والفلاتر والفروق بين مرضي التأمين الصحي والكومسيون الطبي،وعالم الممرضين والممرضات محترما بذلك خصوصية المجال وكأنه يقدم عالم الغسيل الكلوي في ذاته.
أعتقد أنه كانت هناك ضرورة ملحة لمثل هذه الكتابة.وإن كنت أختلف مع ما قدمه الدناصوري بخصوص هذا الغرض. لقد تحسنت صحتي عبر الكتابة...هي وليس غيرها من ساعدني علي الخروج من النفق المظلم الذي كنت ألبد فيه... .إذ يبدو لي أن هذه الكتابة قد تزامنت مع بداية فشل المرتكزات التي استند عليها طوال حياته وكأن المستوي الزمني الأفقي قد أوقف امتداد المستوي الزمني الطولي في نقطة حرجة.وكأن فداحة الوقائع اليومية كفيلة بتغيير أي خطط إستراتيجية حتي لو كانت ناجحة في فترة زمنية سابقة.فنجد في الصفحة قبل الأخيرة من الكتاب الآن والآن فقط أعيد التفكير بجدية في عملية زرع كلية جديدة... .أري ان تلك الشجاعة الكلاسيكية القائمة علي القبول بالقدٌر وعدم الفكاك منه قد بدأت تتغير وتبدو كوهم تحت وطأة إنذارات الموت المتكررة.فالقبول بالمرض شيء والإحساس بالموت شيء آخر.من هنا كان نوعا من القلق الذي لا يمكن التعاطي معه الا بالكتابة و الكتابة وحدها.
التزمت هنا بحدود هذا الكتاب كلبي الهرم...كلبي الحبيب ،أما المؤلف نفسه أسامة الدناصوري ¬صديقي ¬ فلم يحن وقت التجرؤ عليه بعد وإن كنت أشك أنه سيحين في أي وقت.