-->

حكاية من هاواي

حسن عبد الموجود

لا أتذكر اللحظة التي يمكن أن أعتبرها بداية صداقتي الحقيقية بأسامة الدناصوري، كل ما أذكره أن أحمد يماني قبل سفره إلي أسبانيا كان سببا رئيسيا لتقاربنا، لصلتهما الوطيدة ولقائهما المتكرر.

وسفر يماني ترك مكانا شاغرا كبيرا في حياة أسامة، فأصدقاؤه القريبون علي قلتهم لديهم ظروفهم وحياتهم الخاصة، محمد بدوي في الجامعة وكذلك مجاهد الطيب، وعبدالحكم سليمان مع مرضاه لوقت متأخر من الليل وهيثم الورداني وأحمد فاروق سافرا إلي ألمانيا وإيمان مرسال إلي كندا.

كل ما أذكره أنه كان حريصا علي الاتصال بي بانتظام ودعاني لزيارة منزله وهناك تعرفت إلي زوجته سهير، ومع الوقت أصبحنا صديقين، نلتقي يوم الثلاثاء في الأتيليه، ومرة أو مرتين خلال الأسبوع في منزلي أو منزله، عرفت أنني أصبحت قريبا منه حينما بدأ يتحدث معي بلا مواربة خاصة ما يتعلق بشكواه من مواقف آخرين وما يعتبره أسرارا حربية لا يجوز أن أذكرها أمام آخرين: 'لما أموت ابقي انشر الكلام اللي باحكيهولك'، وكنت دائم السخرية منه فيما يتعلق بهذه النقطة، أؤكد له أنني لن أنشر حرفا مما يقول لأنه لا يهم أحدا: 'دا كل اللي يعرفوك في الحياة حوالي 50 واحد'. في الحقيقة كنت أعرف أن هاجس الموت أمر يلازمه في صحوه ومنامه، وكانت سخريتي محاولة لإبعاد هذا الهاجس عنه وعني أيضا فكثيرا ما كنت أشعر أن أسامة قد يغادر فجأة حينما يسقط مريضا وأري أحواله وشحوبه وضعفه الشديد وعدم قدرته علي الكلام.

بعد أن أترك أسامة وأعود إلي منزلي كان يتصل بي ليؤكد عليٌ ألا أذكر ما قاله لي أمام أحد وأؤكد له أنني لن أخبر إلا أصدقاءنا المقربين.

في الجلسات الخاصة يكون أسامة منطلقا، حديثه الآسر وسخريته ووجود شيء جديد لديه دائما كان يجبر الآخرين علي الإنصات، ولكنه كان يلتزم الصمت حينما يكون في الجلسة شخص غريب، يخشي أن ينقل كلامه إلي آخرين فيتسبب في مشكلة له.

ضعف سمعه كان دائما وأبدا مشكلة في التعامل مع الآخرين، حينما أكون ذاهبا إليه في المنزل كنت أدعو أن تكون سهير هناك لأنني أستمر في طرق الباب ورن الجرس لأكثر من نصف ساعة ولا يفتح، كان جاره يفتح باب الشقة الموازية ويقول لي: 'أنتظر سأتصل به'.

وبعد لحظات يفتح أسامة فأقول له بغيظ: أشمعني سمعت صوت التليفون؟ فيضحك ويقول: أعمل إيه أنت شكلك ما خبطتش كويس!

لمدة عام كامل كانت فتاة من 'هاواي' محورا للحديث بيننا. اتصل بي وقال لي إن هناك شيئا مهما يريد إخباري به ولكنه يخشي ¬ كالعادة ¬ من ثرثرتي كما أنه يخشي أن أخبر سهير مع أنه لا يفعل شيئا خاطئا.

كنت ألتقي به مساء الاثنين في 'ريش' ليبدأ حكي ما فعله مع فتاة 'هاواي' خلال الأسبوع.

عرفها بالصدفة علي 'الإنترنت' تحدث معها في كل شيء، أخبرته أنها في الخامسة والثلاثين، وتعيش بمفردها في مكان رائع، تستيقظ منذ الثامنة صباحا لتؤدي التمارين وتخرج إلي عملها، زملاؤها يحبونها، لا توجد لديها مشاكل مع أحد، تهوي القراءة، وأخبرها أنه شاعر وترجم لها بعض قصائده وأعجبت بها جدا..

تطورت العلاقة ، أرسلت إليه بصورها..

طلبت منه أن يريني الصور فوافق.. ثم أخبرني أنها أصبحت متيمة به: 'تقدر تقول : بقت مجنونة الدناصوري.. وأنها طلبت الزواج منه؟

قلت له: بسيطة قل لها أنك متزوج.

وفي صباح اليوم التالي استيقظت علي رنين التليفون ووجدته أسامة وكان منزعجا وطلب أن أقابله حالا. كانت السابعة صباحا وألححت عليه. هل حدث مكروه؟ ولكنه رفض الإجابة إلا حينما أقابله. التقينا علي مقهي في شارع جانبي متفرع من 'حسين المعمار'. قال: إن فتاة 'هاواي' قررت الحضور إلي القاهرة هذا الأسبوع، وأنه أخبرها بأمر زواجه، ولكنها مصرة علي العلاقة معه، تريد إنجاب طفل منه وستخرج من حياته نهائيا.

ضحكت بغل طبعا وقلت له إن هذه الفتاة 'بتشتغلك' وغضب وأكد أن الحكاية حقيقية مائة بالمائة ويريد أن يستشيرني ماذا سيفعل؟ نهضت وقلت له: عندك يماني أرسل في استشارته.

غضب بسبب موقفي واختفي أسبوعا ثم اتصلت به وسألته: هل جاءت؟ وجدته حزينا جدا فطلبت رؤيته. أخبرني بأنها كانت قد اشترت تذكرة ذهاب وعودة وحزمت حقائبها لكنٌ حادثا أليما وقع، فقد فوجئت بشخص غريب في منزلها. حينما رآها انهال عليها بسكين وطعنها أكثر من 20 طعنة. وهي الآن راقدة في مستشفي هناك بين الحياة والموت. حينما لاحظ الشك في عيني قال لي: أنها أعطت أيميله لصديقة لها وهي التي أرسلت له لتخبره بحالتها. بعد شهرين عاد الحديث ليتجدد عن فتاة هاواي وقرب زيارتها للقاهرة.

في هذه الاثناء شاهدت بالصدفة فيلما خفيفا لتوم هانكس وميج رايان 'جالك ايميل' حدوتته قريبة الشبه بما يعيشه أسامة، غير أن البطلين يعيشان متقاربين. منذ هذه اللحظة كنت أناديه ب 'توم' وكان يتضايق وأخبرته أنني لن أناديه باسمه الحقيقي إلا حينما يعترف بفشل قصته وأن الفتاة 'بتشتغله' واتصل بي مرة ووجدته حزينا وهو يقول: 'بنت ال..... كانت بتضحك عليا'.

وضحكت وأنا أقول: 'معلهش يا أسامة، تعيش وتاخد غيرها'!

Top