-->

أسامة الدناصوري

د. شيرين أبو النجا   

أسامة الدناصوري واحد من أهم شعراء الثمانينيات صدر له «حراشف الجهم» عام ١٩٩١، ثم «مثل ذئب أعمي» عام ١٩٩٦، و«علي هيئة واحد شبهي» عام ٢٠٠١، و«عين سارحة وعين مندهشة» عام ٢٠٠٣، وأخيراً سيصدر له قريباً عن دار ميريت «كلبي الصغير.. كلبي الهرم».

ظل أسامة يعاني من فشل كلوي لمدة عشر سنوات ثم دخل المستشفي (صيدناوي) ثم (مركز القاهرة للكلي) يوم ٢ يناير، ورحل للضفة الأخري يوم ٤ يناير مساء، والعزاء اليوم - الثلاثاء- بمسجد عمر مكرم. هذه مقدمة رسمية لمن لا يعرف أسامة الدناصوري وهي مقدمة ضرورية لأنني أعيش في وطن لا يهتم كثيراً بالشعر ولا يبالي بالشعراء إلا إذا صودرت دواوينهم أو منحوا جوائز رسمية تحتفي بها الصحف في صور أنيقة تتصدر الصفحات الأولي.

أما لمن يعرفون أسامة الدناصوري، فقد رحل تاركاً زوجة محبة لم يسعفني الحظ بلقائها وترك أصدقاء رائعين وترك آخرين أمثالي، لم أعرفه عن قرب جيداً لأن الغرور يتملكنا دائماً ونتوهم أن الزمن ملك لنا نفعل به ما نشاء، لندرك دائماً -مع كل رحيل- أن الزمن والموت يفعلان بنا دائماً ما يحلو لهما.

ويبقي السؤال معلقاً: لماذا لم أسع للتعرف علي أسامة عن قرب؟ ليس لدي أية مبررات. قرأت شعره ومازلت علي يقين أنه صوت شعري مهم لديه جديد يقدمه. وعندما جمعتني الظروف به في جلسة مع بعض الأصدقاء سألته لماذا هو مقل وشحيح في الكتابة والنشر.

كان سؤالي يخفي احتراماً شديداً، فهؤلاء الحذرون في الكتابة هم دائماً ما يحترمون الفن والأدب والشعر. سألته وأنا أحترم صمته وهدوءه الملحوظين، سألته وأنا مندهشة من الملامح التي تقنع الرائي دائماً أنه يبتسم، فكلما تنظر له تجد وجهاً بشوشاً هادئاً غير متورط في عواصف الحكي والهزل أو خيوط المؤامرات العبثية، سألته وأنا لم أسمع عنه إلا تعليقات إيجابية تليق بقلب وعقل شاعر.

سألته وأجاب.. حكي عن توقفه عن الكتابة قرابة الثلاث سنوات، فقد كان آخر ديوان صدر له عام ٢٠٠٣، ثم حكي بإسهاب عن دفقة الكتابة التي هاجمته وهو يعاني من إحدي الأزمات الصحية المزمنة، حكي أسامة الدناصوري تفصيلياً عن الليالي التي ظل فيها مستيقظاً ليكتب. هل كان يعرف أن تلك الدفقة هي الأخيرة؟!

هل كان يكتب شهادته عن المرض الذي يتحول إلي صديق لحوح يلازم المريض فلا مفر من التصالح معه؟ ربما. كان يكرر في أثناء حكيه «آسف، أزعجتك بحكاية طويلة» وأكرر بدوري «بالعكس أنا التي سألت وأريد أن أسمع».

غادر أسامة وقلت لنفسي «قلة هم الشعراء الذين تتسق أقوالهم مع أفعالهم وهذا واحد منهم». لماذا إذن لم أسع لمعرفته أكثر بعد ذلك؟

من أجل بعض الترتيبات الروتينية اضطرت ميسون صقر إلي أن تبلغني خبر رحيل أسامة الدناصوري، موقف صعب لا تحسد عليه ميسون. إنسان يبلغ إنساناً آخر أن إنساناً ثالثاً رحل للأبد.

ربما هذا أصعب من الرحيل، فأنت لا تتحمل أحزانك وحدك بل تتحمل ردود أفعال من يتلقي الخبر أيضاً لتشعر أنك تريد أن تختفي من أمام الجميع لتجتر أحزانك بشكل لائق، كما قالت ميسون في الرسالة القصيرة التي أرسلتها علي المحمول «رحم الله أسامة الدناصوري.. أخذ من كل صديق له جزءاً من قلبه ليتركنا نحبه في الكتابة أكثر».

كانت المكالمة التي أجريتها مع الأستاذ سمير المسؤول عن قاعة المناسبات بمسجد عمر مكرم هي التي أكدت لي صحة رسالة ميسون «نحبه في الكتابة أكثر».

سألني الأستاذ سمير عن اسم المتوفي فقلت بثقة «أسامة الدناصوري». وكانت المفاجأة في الرد «ده شاعر هايل، البقاء لله».

الأستاذ سمير يعرف شعر أسامة الدناصوري جيداً ويعرف أنه شاعر «هايل» ويعرف أنها «خسارة» - وشعر الدناصوري يستحق الكثير، هل كان يحادث نفسه في قصيدة «مرآة الشاعر»:

أيها الشاعر:

انتبه

هل ستخرج علي هذه الصورة؟!

هل ستهبط من وكرك قاصداً المدينة هكذا؟

ألن تنتهي أولاً من القصيدة التي بدأتها لتوك؟

أنت أيها الهارب..

من تظن نفسك؟

أتظن أنك قادر علي الفرار، ثم الفرار،

هكذا إلي الأبد!

وتنتهي القصيدة بمقطع بالغ الدلالة:

إنني أبكي لأجلك أيها الشاعر

أبكي..

لكنني أقسم أنك لو عرفت حكايتي

لبكيت أنت.

لاتبكوا من أجل من رحلوا، بل ابكوا من أجل الباقين الملتاعين بالفراق والغياب.

..............

٩/ ١/ ٢٠٠٧

Top